مميزات السلوك الرومانتيكي لدى الشباب
يتميز هذا النوع من السلوك بأمور ثلاث:
1 ـ الاهتمام بتحليل الذات: وتأمل ما يجور في داخل الذات، ووصف هذه المشاعر الداخلية.
2 ـ حب الطبيعة: والهيام بها حباً يبلغ شأواً بعيداً.
3 ـ التمرد على الاوضاع القائمة والتقاليد الموروثة ومن ثم على المجتمع بوجه عام.
وكل هذه الأمور تغشي حياة الشاب بغلالة من الحزن والشجن ويزداد هذا الحزن والشجن كلما أمعن الفرد في عزلته عن المجتمع وولهه في حب الطبيعة.
الرغبة في تأكيد الذات:
ينظر الشاب إلى نفسه على أنه لم يعد ذلك الطفل الذي كان يُنظر ولا يُسمع،
يبدأ بالإحساس بأن له شخصية يجب أن تؤكد ذاتها في عالم الوجود، لأن الاضطراب النفسي يجذب انتباهه إلى نفسه كما جذب الاضطراب الجسمي انتباهه إلى جسمه، وهكذا يحس أنه يخوض غمار عالم جديد يختلف عن عالم المراهقة.
لهذا يسعى الشاب ليكون له مركز بين جماعته، فيميل للقيام بأعمال تلفت النظر إليه، ووسائله في ذلك متعددة فهو تارة يلبس ملابس زاهية الألوان والمصنوعة على أحدث الطراز، كما يحاول التصنع في طريقة كلامه وضحكه ومشيته، أو يقحم نفسه في مناقشات تكون فوق مستواه وهو لا يفعل ذلك عن عقيدة بل حباً في المجادلة والتشدق بالألفاظ الرنانة. ويتوهم الشاب أن تدخينه وسيلة لتأكيد ذاته وتدعيم الشعور بالاستقلال الذاتي.
كتابة المذكرات:
وهي من أهم الظواهر دلالة في حياة الشاب، لأنها مظهر لعزلته ولقدرته على التحليل الذاتي ولرغبته في الهرب من القلق النفسي.
وقد لا يبدأ الكتابة من تلقاء نفسه بل يدفعه إلى ذلك خبرات خاصة كالوقوع في حبه الأول أو كارثة تحيق به كالرسوب أو وفاة عزيز أو كالتنبه فجأة لجمال الطبيعة. هناك يحس بحاجة لتناول القلم لتسجيل مشاعره الجديدة.
وكثيراً ما تكون المذكرات بديلاً عن صديق، يبثها الشاب أشجانه ويدلي لها باعترافاته، تخففاً من شعوره بالذنب ويبوح لها بآماله ومشاريعه، فهي إذن وسيلة للتنفيس ولتأكيد الذات، ولذا كانت بالنسبة إليه عزيزة فهو يخفيها في أماكن لا تصل إليها الأيدي ولا تقع عليها الأعين، وهو في الوقت نفسه يخجل خجلاً شديداً من بعض مضمونها، فالإحساس بالذنب يمد جذوره فيها، ولذا يعمد أحياناً لاستخدام رموز يبتكرها لتسجيل الأمور التي يخشى أن تكتشف، وهذه السرية ظاهرة شائعة في مذكرات الشباب.
والشاب لا يسمح لأحد بالاطلاع على مذكراته إلا بعد تعديه مرحلة الشباب، أو لصديق عزيز يثق به كل الثقة.. وقد كتب أحد المراهقين على مذكراته عبارة (تُحرق بعد موتي ويُذرَ رمادها على قبري).
إنها سجل حي لنفسيته في هدوئها واضطرابها وعرض قوي لمختلف انفعالاته وعواطفه.
حب الطبيعة:
وهنا يبدو الشاب كما لو اكتشف الطبيعة فجأة فهو يُقبل عليها ويرى في معالمها ما لم يكن يراه فيها وهو طفل، ففي كل مظهر من مظاهرها معنى جديد يكتشفه الشاب، معنى يتصل بوجدانه وإحساسه ومشاعره.
ويذكر (الدكتور عبدالمنعم المليجي): أن الهيام بجمال الطبيعة ليس إلا الوجه الثاني للهيام بالذات والرغبة في تحليلها، ذلك أن تحليل الذات التي اكتشفها الشاب فجأة يتطلب العزلة والبعد ع الناس، الأمر الذي لا يحققه إلا قضاء الساعات خارج المدينة في حديقة شاسعة أو غابة كثيفة أو على شاطئ بحر ثائر الأمواج أو في صحراء ممتدة...
وقد يكتفي المراهق بتأمل الطبيعة ويطلق لخياله العنان، وقد يتناول الريشة ليسجل مشاهدها إذا كان ذا قدرة فنية، وقد يمسك بالقلم ينظم القصيد أو يسطر الوصف المطول.
الرغبة في مقاومة السلطة:
يرى الشاب نفسه في هذه المرحلة جديراً بالوقوف من المجتمع موقف الناقد يمتحن نظمه وعقائده وتقاليده، ويفكر في رأي أسرته فيه ومعاملتها له، وغالباً ما تكون الأسرة غير آبهة به ولا مقرة برجولته وحقوقه كشخص ذي قيمة خاصة، ويغيظه عجزه عن تحقيق آماله الواسعة وهو لا يرى هذا العجز راجعاً إلى قصور إمكاناته وضآلة قدراته، وإنما يراه رجعاً لعقبات تضعها الأسرة في طريقه، أو يضعها المجتمع على العموم، وتكون النتيجة أن تثور في نفسه رغبة في مقاومة السلطة، ومن هنا تحتدم في نفسه الرغبة في تأكيد ذاته تأكيداً يتوقف شكله على إمكانات الشاب وقدراته وعلى موقف البيئة منه، ولكنه في جوهره تمرد على المجتمع (خفياً كان أو ظاهراً) تمرد قد يؤدي أحياناً إلى عواقب وخيمة، ولكنه وسيلة تكيّف بالنسبة للطور الجديد، وخطوة جديدة للنضج واكتمال النمو النفسي.
وتحيااااتي لكم...